الثلاثاء، 31 يوليو 2012

سائقو التكسي يتقنون رسم الابتسامة على محياي 1



     بعد يومٍ طويل، استُثيرت عاطفتي خلاله، وأُثيرت آلامي؛ ركبتُ عربة تكسي كي أهرب من جحيم إلى جحيم آخر.

     فكل ما حولي يستدعي البكاء؛ في العمل، مديري ذو الأوجه المتعددة، وفي المنزل، والدتي العاقة لأبنائها، وفي التلفاز، مئات الأخبار عن الموت!
       
     ابتسم لي بلطف سائق التكسي، وسألني عن وجهتي، دللته عليها بلطفٍ كذلك.

     كانت عيناي سارحتان في المدى، موشكتان على الإدماع، وإذا بالسائق ينظر إليّ من مرآته ويخبرني عن عنائه في السواقة خلال الصيام، وتحت لهيب الشمس الحارق، شعرت بعنائه وصبره، وتذكرت أن لكل إنسانٍ على وجه الأرض معاناةً مختلفة، لا يشعر بحجمها سواه، ثم أخبرته أنه سيلاقي الأجر عند رب العالمين.

     سألني عن طبيعة عملي فأجبته، تمنى لي التوفيق ثم اعترف لي أن وجهي، وصوتي، والطيبة المتمثلة بابتسامتي وبعينيّ، صفاتٌ تؤهلني لأكون أميرة مدللة بعيدة عن أوجه الشقاء.

     كان يقول ذلك بحياء ودون خبث، فابتسمت له وشكرته دون قصد، أقصد بـ "دون قصد" أن فتاةً غيري كانت ستتخذ من الصمت مبدأً، أو أنها كانت ستوقفه وستخرج لتكمل طريقها مع آخرٍ أكثر احتراماً، فكيف يتجرأ ليتحدث معها بهذا الشكل؟! لكني لم أستطع أن أقابل لطفه بعنف! خاصة أن عينيه أخبرتاني بحسن نيته، وبحاجته للحديث إلى إنسان ينصت له باهتمام.

     وصلت أخيراً إلى جحيمي، هممتُ لدفع الأجرة له، لكنه رفض! أخذها بعد إلحاحي، شكرته وترجّلت من العربة.


     وأخيراً؛ توجّهت إلى جحيمي ودمعتي قد تبخرت، ومعنوياتي قد  ارتفعت، وابتسامتي قد ظهرت.

    رائعون هؤلاء الذين يرسمون الابتسامة على محيا إنسان، ولو بكلمة.

هناك تعليق واحد:

  1. أعجبتني كلمة (عربة) :)
    -------

    صورنا النمطية عن الناس = مشكلة!
    ليس كل سائق أجرة شخصًا سيئًا أو مشروع (أزعر)!

    ردحذف